مركز سوروس للفن المعاصر - ألماتي


مركز سوروس للفن المعاصر – ألماتي
إعادة تعريف مهمّة الفنان في كازاخستان بعد الاشتراكيّة
بقلم: زهنارا ناوروزباييفا
سبعة عشر عاما بعد تحقيق الاستقلال عن الاتّحاد السوفياتي، أكثر ما تُعرف به كازاخستان للعالم هو البترول الاحتياطي، وحديثا، لسوء الحظّ أو حسنه، من خلال كوميديّ بريطاني ما. أنظر من خلال هذا التعريف العام لمركز سوروس للفن المعاصر – ألماتي (SCCA) في كازاخستان، في وظائفه بالنسبة لغيره من المؤسسات الثقافيّة في البلد كما في كيفيّة تفاوضه مع التقليد السوفيتي للفن. من دواعي العجلة الآن، جذب الانتباه إلى أعمال المركز لأنّ نشاطاته معرّضة للخطر. جرفت عمليّات البناء الواسعة المبنى الذي احتضن نشاطاته طوال السنوات التسع الماضية. يهدد هذا التحرّك وضع المجتمع الذي بناه المركز من خلاله موقعه في 171 شارع توليباييف.


أسس مركز سوروس للفن المعاصر – ألماتي في 1998 كإحدى مبادرات معهد سوروس للمجتمع المفتوح (سوروس أوبن سوسايتي إنستيتيوت) لدعم والتعريف بالفن المعاصر في المضمون المحلّي. تمّ تأسيس مراكز كهذه في سبع عشرة دولة في وسط وشرق أوروبا والاتحاد السوفياتي السابق، كما تقول فاليريا إبراييفا، مديرة مركز سوروس في مقابلة معها. كان المركز في ألماتي الوحيد في منطقة آسيا الوسطى كاملة.
كان مركز سوروس المؤسسة الأولى من نوعها لدعم الفنون والثقافة في كازاخستان – فهي غير حكوميّة وغير تجاريّة. فمن ناحية، هي مؤسسة مستقلّة عن الدولة، ومن ناحية أخرى، ليست مهتمّة بالحصول على الربح، عكس العديد من دور العروض الفنيّة المحليّة التي تعيش على هذه الأرباح. موّل المركز نشاطاته بشكل خلاّق بالتقدّم لمختلف المنح التي وفّرتها مؤسسات عالميّة. [1] سمح هذا التمويل المؤسسة بدعم الفن الذي كان عضويّا إلاّ أنّه ليس تقليديّا.
بالإضافة إلى دعم الفنانين المحليين وعرض أعمالهم محليا وفي الخارج، نشط مركز الفن المعاصر كذلك من خلال فعاليّاته التعليميّة (استضاف المركز مجموعة من ممثلي CEC آرتسلينك (الولايات الأمريكيّة المتحدة) حديثا، والذين شاركوا وجهات نظرهم عن الفن العام) وكمركز مجتمعي لأولئك المهتمّين بالفنون والثقافة. يبيّن أرشيف مركز سوروس الإلكتروني [2] المتوفر على الانترنت عدد ورشات العمل واللقاءات التي ينظّمها المركز كلّ عام. يتراوح المتحدّثون من مدراء فنون يُشاركون تجاربهم في جمع التمويل من أجل النشاطات الثقافيّة إلى ممارسي الفنون الذين يوفّرون صورة للتجربة المباشرة في إنتاج عمل فيديو أو استعمال برنامج تصميم جرافيكي. بالإضافة إلى تعليم الفنانين، مركز سوروس فعّال في تثقيف العامّة عن ’الفن المعاصر.‘ من خلال عمله المتواصل والحريص وتفاعله مع الصحافة في ألماتي، يوضّح المركز رسالة الفنانين للجمهور الأوسع. اليوم، أصبحت معارض المركز من أكثر الأحداث الفنيّة التي تحصل على تغطية إعلاميّة واسعة (تلفاز وجرائد وإنترنت) في كازاخستان.
يعمل مركز سوروس كأنّه المركز المجتمعي الوحيد الباقي للفنانين في ألماتي اليوم. هو نقطة توجّه رئيسة في ألماتي لأيّ شخص يهتمّ بالفنون والثقافة. ستشير إليه الغالبيّة عادة على أنّه المكان الوحيد الذي يمكنهم الذهاب إليه والتلاقي فيه فحسب. لا يقتصر الأمر على الفنانين، بل يجمع مختلف الناس من متنوّع ضروب الحياة، كبارا وصغارا، أغنياء وفقراء، ومن مختلف التعريفات الدينيّة والمعتقدات السياسيّة، حيث يلتقون بعضهم بعضا في الوقت ذاته. مهما كان الوقت الذي تذهب إلى المركز ستلقى به ناسا، يتصفّحون المجلاّت والنشرات المصوّرة (الكاتالوجات)، لدى مركز سوروس المكتبة الفنيّة العامّة الوحيدة في المدينة حيث يمكن للمرء أن يتصفح مقتنياتها فعلا [3]، أو يعملون في منتجة فيديو أو تركيب تجهيز فراغيّ أو يتحدثون فحسب. في الحقيقة، العديد من الإنتاجات البداعيّة انبثقت عن لقاءات شخصيّة حدثت في مركز الفن المعاصر.
من خلال هذه الممارسات والفعاليّات، وظّف المركز ذاته في عمليّات إعادة التعريف والإنتاج العقلاني لدور جديد للفنان في المجتمع اليوم. أثناء الحقبة السوفياتيّة، وظّفت الدولة الاشتراكيّة الفنان لأداء مهمّة الإعلام (البروبوجاندا)، حيث وجب أن تُعلّم الأعمال الفنيّة الجماهير عن الوعي الاشتراكي وكيف يكون المرء مواطنا في الدولة الجديدة. انجذب العديد من الفنانين الطليعيين إلى الدولة (وأصبحوا واهمين لاحقا)، من هؤلاء كوزما بيتروف-فودكين وكازيمير ماليفيتش وأليكساندر رودشينكو وغيرهم
من ناحية، يعارض مركز سوروس هذا النموذج القديم للفنان كأيديولوجيّ لأّن فنّهم ناتج على شكل أكاذيب. كما تصف إبراييفا فن الحقبة السوفيتيّة، "وعندها، علّم الفنان المرء كيف يكذب، بشكل منتظم وجيّد." يرى الجوع والاضطهاد في 1937 إلاّ أنّه يصنع لوحات مثل لوحات جيرازيموف ’كوليكتيف فارم سيليبريشن (احتفال المزرعة الجماعي)‘ أو لوحات كاستييف ’كوليكتيف فارم توي (لعبة المزرعة الجماعيّة-بمعنى مهرجان)‘ [4]. في الوقت ذاته، كان من المفروض أن يقولوا الحقيقة لكن بمعناها الأكاديمي. ذلك، إن لم تناسب "حقيقة الحياة" الخطة الأيديولوجيّة، وجب تعديلها.
خلق "حقيقة ضروريّة،" كان هذا هو معنى الفن السوفياتي. والأكثر من ذلك، ترفض إبراييفا وتقاوم الحكومة على أنّها السلطة التي تشير على الفنانين بما يمكن القيام به وكيف.
من ناحية أخرى، بالرغم من ذلك، ما يزال مركز سوروس يدعم فكرة الفنان على أنّه شخصيّة ذات سلطة أخلاقيّة، وكأنّه باحث عن الحقيقة ذاتيّ الاحتكام، وميزان مستقلّ للبيئة السياسيّة والاجتماعيّة. يجب ألاّ يكون الفنان في خدمة الحكومة أو قطاع الشركات. في حين، يجب أن تقدّر الحكومة والمجتمع وظائف الفن هذه والفنانين وأن تدعمهم بدون أيّ عواقب أو توقّعات. لدى الفنانين رؤية أوسع، ويجب ألاّ تحدّ أو تعتّم. في المقابل، سيساعد الفنانون إبداعيّا المجتمع بشكل واسع نحو الإصلاح والتطوّر. وبالتالي، يتخيّل مركز سوروس أن يجمع الدور الجديد للفنان المسؤوليّة الاجتماعيّة والاستقلال الماديّ، لا بدّ من ترك الأمر للزمن حتى يبيّن كيف تتحقق هذه الرؤية في كازاخستان.

ملاحظات:
  1. المجلس الثقافي البريطاني ومعهد غوته وسفارة هولندا الملكيّة ومؤسسة سوروس كازاخسان ومعهد المجتمع المفتوح (أوبن سوسايتي) ووجمعيّة الشبكة العالمّة للفن المعاصر وIDC (شركة معهد التطور، كازاخستان) ومكتب التعاون السويسري للتطوير (كيرجيزستان) وصندوق كريستينسين (الولايات الأمريكيّة المتحدة) ومؤسسة الفن والثقافة (تركيا) ومركز الفن والإعلام (ألمانيا) وجاليري "أولار" (كازاخستان) وشركة نظم الأعمال في كازاخستان وبرنامج شبكة الفن والثقافة OSI في بودابست في هنغاريا وآرتلينكس (الولايات الأمريكيّة المتحدة) وهيفوس (هولندا)
  2. http://www.scca.kz/en/news2006.htmhttp://www.scca.kz/en/news2004.html
  3. ما تزال المكتبات الأخرى تتبع النظام السوفيتي في السيطرة والتحكّم حيث يحتاج المرء أن يطلب من مسؤول في المكتبة الحصول على مجموعة محددة من الكتب.
  4. اعتبر كل من أليكساندر جيرازيموف وألبيلكان كاستييف شخصيّات رئيسة في التصوير المحترف والواقعيّة الاشتراكيّة في روسيا وكازاخستان.

زهنارا ناوروزباييفا
مرشحة للحصول على شهادة الدكتوراة من قسم الأنثروبولوجيا (علم الإنسان) في جامعة ستانفورد (الولايات المتحدة الأمريكيّة). يتعلّق موضوع بحث رسالتها بالتحوّلات في المجتمع الفني في كازاخستان بعد الحقبة السوفيياتيّة.
الترجمة من الإنجليزية: ديالا خصاونة.

تعليقات