كتاب فنون الغرب



ملخص كتاب فنون الغرب

*المؤلف : نعمت إسماعيل

الحركة التجريدية - الفن اللاموضوعي
مقدمة:
تطلق لفظه التجريد في الفن على طراز ابتعد فيه الفنان عن تمثيل الطبيعة في أشكاله. ولقد عرفت عملية التجريد في الفنون منذ فجر التاريخ، حيث ظهر التجريد في الفن المصري القديم وبعض فنون العالم القديم، كما كان التجريد من أهم صفات بعض مدارس الفن الإسلامي.
ولفظة التجريد في الفن التشكيلي المعاصر هي صفة لعملية استخلاص الجوهر من الشكل الطبيعي وعرضه في شكل جديد.

وكان التصوير الحديث في القرن العشرين يتقدم بخطوات ثابتة نحو التجريد منذ مطلع القرن ولقد بدأ ذلك التغير منذ عهد سيزان، ثم أكمل التجربة التكعيبيون الذين فككوا الأشكال الطبيعية ليعيدوا صياغتها ثانية في أسلوب هندسي جديد.
وفي النهاية نجد أن نهاية المرحلة تكون على يد فنانين اتخذوا التكعيبية مذهباً لهم لفترة، إلا أنهم قرروا فجأة التحرر من طريقتهم ورسم أشكال مجردة متناسقة ليس لها ارتباط بأي نوع من النماذج الطبيعية.
على أننا نجد أن كلمة تجريد التي أطلقت على هذا النوع من الفن الذي يتخلى عن الشكل الطبيعي قد قام بشأنها جدل من النقاد والفنانين. حيث ظهر منذ عام 1910 لوحات مصورة وأعمال نحتية لا تعتمد على الواقع الطبيعي، إنما تهدف إلى الحصول على نتائج فنية عن طريق الشكل والخط واللون لذلك نجد أن النقاد ورجال الفن داوموا البحث عن بديل وصفي لكلمة تجريد، فتوصلوا إلى لفظ بدون أشكال، بدون تمثيل أو غير طبيعي.
وكان ممن عارضوا التسمية بيكـاسو، كما طالب بالتغيير بعض الفنانين في روسيا وأمريكا لذلك أطلق تعبير لا موضوعي Non Objective على الفن الذي لا يعتمد على الطبيعة على أننا يمكن أن نستخلص أن التسميتين الفن التجريدي أو الفن اللاموضوعي تؤديان إلى نفس المعنى.
شعب الفن التجريدي:
ينقسم الفن التجريدي إلى قسمين: التعبيرية التجريدية ويتزعمها كاندنسكي في أوروبا والتجريدية الهندسية وتزعمها ماليفيتش في روسيا، ومونرديان في هولندا.
مر الفن التجريدي في مرحلتين تاريخيتين. وفترة ابتدائية استغرقت الفترة 1910-1916، وفترة تالية بدأت عام 1917 بحركة دي ستيل الهولندية واستمرت حتى الآن، ويظهر التحوير في تلك الحركة و لا يمت بصلة إلى الطبيعة، لذلك فضل بعض مؤرخي الفنون إطلاق اسم الفن التجريدي على النوع الأول والفن اللاموضوعي على النوع الثاني.
ومما يثير الدهشة أن الخطوات التقدمية التي ظهرت في ميدان الفن التجريدي لم تكن من نصيب باريس مثل أغلب حركات القرن العشرين، إنما نلاحظ أنها أحرزت نجاحاً سريعاً على يد فنانين من أبناء روسيا وهولندا وألمانيا.
التعبيرية التجريدية في أوروبا:
ظهرت طلائع المذهب التعبيري التجريدي في أوربا منذ عام 1910 عندما عرض كاندنسكي في ألمانيا أولى لوحته التجريدية بعنوان (تجريد). على أن هذا النوع من التصوير كان ينتمي إلى التجريد التعبيري الذي يستمد فيه الفنان ابتكاراته من شتى دوافعها.
كاندنسكي:
كان ظهور أول لوحة تجريدية صورها كاندنسكي بدون هدف أو ارتباط بالأشكال الطبيعية نتيجة تجارب طويلة مر بها الفنان الروسي.
وشبه كاندنسكي تجربته الجديدة في فن التصوير بالموسيقى وذكر أن الألوان والأشكال المجردة يمكن أن تعبر عن الطبيعة، مثلما تعبر الأصوات عن الموسيقى، واستخدام كاندنسكي في أعماله ألوان الطيف وديناميكية فرشاة الوحشين.
كان كاندنسكي يقيم في تلك الفترة في ألمانيا، وتكشف له إمكانية الاستغناء عن الأشكال الطبيعية عندما كان يتأمل في يوم من الأيام الألوان الموزعة على ثوب امرأة. ويذكر كاندنسكي أن الفكرة قويت لديه في إحدى الأمسيات عندما دخل إلى مرسمه ولم يتمكن من التعرف على موضوع إحدى لوحاته التي تتصور منظراً طبيعياً لأنها كانت موضوعة مقلوب، ومن تلك اللحظة بدأ يفكر في تجريد الأشكال ونشر مع أول معرض أقيم له عام 1912 مؤلفه الذي يبحث عن العلاقة بين الفن والصوفية الطبيعية.
ولما قامت الحرب العالمية الأولى وتوقف نشاط جماعة الفارس الأزرق لجأ كاندنسكي إلى سويسرا. ثم ذهب إلى موسكو بعد انتهاء الحرب ونجاح الثورة الروسية التي شجعت الفن الحديث. وتولى عدة مناصب فنية هامة في الفترة 1918-1921 إلا أنه رجع إلى ألمانيا في نهاية عام 1921 بعد ما حورب الفن الحديث في روسيا تبعاً لتغير الجو الثقافي هناك.
عين كاندنسكي أستاذاً بمدرسة الباوهاوس في فايمار التي كانت مركزاً للحركة الفنية في ألمانيا، وتقابل هناك مع كلي وجولنسكي وفننجر وانتقل مع المدرسة عندما انتقلت إلى داسو عام 1925.
وأقام معرضاً منفرداً في باريس عام 1929.
قام كاندنسكي بعدة رحلات إلى الشرق الأوسط عام 1931 فزار مصر وفلسطين وسوريا ..إلخ. وعندما استولى هتلر على الحكم في ألمانيا أغلق مدرسة الباوهاوس التي كانت قد انتقلت إلى برلين، فما كان من كاندنسكي إلا أن رجع إلى باريس للإقامة بها إلى آخر حياته.
مرت أعمال كاندنسكي التجريدية بعدة مراحل يمكن تقسيمها إلى ثلاث فترات: الفترة الأولى في أثناء إقامته في ألمانيا، وتميزت بتصميمات تجريدية لأشكاله التعبيرية وتقع هذه الأعمال في نطاق جماعة الفارس الأزرق بميونخ التي سبق ذكرها.
والفترة الثانية ابتعد فيها عن المرحلة التعبيرية السابقة، وأخذت تجريديته طابعاً هندسياً، واعتمد على التصميم المحكم ولم يعتمد على الألوان، وتميزت لوحاته بتصميمات هندسية موزونة متكاملة سادت فيها الخطوط المستقيمة والأقواس. ويتضح ذلك في لوحة (دائرة متعددة الدروب) 1921. ونلاحظ في هذه اللوحة التي أحضرها معه إلى برلين عندما هاجر من روسيا مدى تأثير كاندنسكي بحركتي سوبر مايتزم والبنائية الروسيتان في أثناء إقامته في موسكو.
والمرحلة الثالثة كانت نتيجة تجاربه السابقة وتنحصر في الفترة التي أمضاها في باريس 1933-1944. وتتميز بأسلوب لا موضوعي يتصف بحبكة التصميم وبالخطوط المنغمة، ويوضح ذلك لوحة (حركة متزنة) 1935م.

تعليقات