اتجاهات في الفن الحديث
للكاتب : د. محسن محمد عطيه
فاسيلى كاندنسكى Wassili Kandinsky
والروحية في الفن.:
كان التطور الآخر في تاريخ الفن في اتجاه بزوغ التيارات التجريدية والاستخدامات البارعة للخامات ومحاولات الاستقلال عن العالم الواقعي , على اعتبار انه مصدر للموضوعات والأفكار.
للكاتب : د. محسن محمد عطيه
فاسيلى كاندنسكى Wassili Kandinsky
والروحية في الفن.:
كان التطور الآخر في تاريخ الفن في اتجاه بزوغ التيارات التجريدية والاستخدامات البارعة للخامات ومحاولات الاستقلال عن العالم الواقعي , على اعتبار انه مصدر للموضوعات والأفكار.
وتنشأ النظريات عن الطاقة "الذاتية الدرامية" للخطوط الرأس-أفقيه , مما يدعونا للاعتقاد فيه الفنان الروسي الأصل فاسيلى كاندنسكى (1866-1944)وقد كان يتطلع إلى الجمال المنعزل عن الطبيعة الزمكانية للأشياء"عندما يتجاوز الإنسان أحساسات الفرح والألم والرعب"من منطلق اعتبار العمل الفني ..(ليس حقيقة أخرى غير وجوده المادي الظاهري . أما الفكرة فمن شأنها أن تكسبه الحياة , وهكذا توصلت التجريدية إلى النتيجة النهائية لتقنية العالم الظاهري , كبداية لقطع الرابطة بين الفنان والواقع تدريجيا .)وبذلك نشط في الفن ما يعرف بالنزعة"اللاموضوعية" وقد حدث هذا في الشمال –في البلاد الاسكندينافية وهولندا وروسيا وألمانيا ,وهو تطور للتجريد الخالص تحقق دون الاستناد إلى الرؤية الخاصة بالاتجاه التكعيبي..
لقد شبه كاندنسكى أعماله في التصوير بالأعمال الموسيقية وكان يستخدم الألوان والأشكال المجردة وكأنها أنغام ,وفي ذلك المجال تطورت تجاربه إلى أن تكشف لديه إمكانية الاستغناء عن الأشكال الطبيعية . ولكاندنسكى مؤلف يبحث في العلاقة بين الفن والصوفية الطبيعية نشره مع أول معرض له في عام 1915..وقد تميزت أعماله في المرحلة الأولى من حياته الفنية بالطابع التجريدي التعبيري حيث يتضافر المضمون التعبيري مع البناء الشكلي في مثل هذه الأعمال في شاعرية,ورغم المظهر التجريدي البحت فيها نجد"أن الزاوية الحادة في المثلث فوق دائرة قد أنتج تأثيرا لا يقل عن التأثير الناتج من تلامس أصبع الآلة لأصبع آدم في لوحة خلق آدم لمايكل انجلو . وفي لوحات كاندنسكى يمكن أن ندرك معنى العبارة التي قالها بيكاسو ذات مره "لا وجود للتجريد , بل لابد أن نبدأ بشي فهي دائما تتضمن رموزا وأن بدأت مجردة خالصة , وبلا موضوع لعلاقات من الخطوط والألوان , ليست لها علاقة بالأشكال المألوفة التي نراها في الواقع الخارجي , إنها في الحقيقة رموز مفاهيم ومعاني شمولية , وتقبل تفسيرات متعددة.. ".
إن العمل كان يخرج في فن كاندنسكى بقوة وثقة وكأنه احد ظواهر الطبيعة ويخلق في النهاية ما يمكن تسميته بموسيقى الأجرام السماوية . إنه استخدم اللون والشكل ليس كعنصرين مكتفيين بحد ذاتهما , وإنما ليعبرا عن أحاسيسه وعن مشاعره الداخلية من اجل تجسيد الواقع الروحاني , لأن للخطوط والأشكال في رأي كاندنسكى خصائص روحانيه يمكن إدراكها , بل والتأثير على روح المشاهد . وقد كان كتابه"الروحانية في الفن" بحثا في التأثيرات النفسية للون وقد نشر عام 1912غير أن أعماله في الفترة من 1914-1918 في روسيا قد أصبحت أشكالها أكثر هندسية وأكثر حسابية , وأفصحت تكوينات أعماله عن بناءاتها بوضوح . أما في (فايمار)عندما استدعى هناك للتدريس في "الباوهاوس" اتصفت تكويناته بقوة التخطيط . وبالدينامية وبسمات تزيينية ,كما بدت الأشكال منتشرة في فراغ غير محدد , وكأنها تظهر من خلال المجهر , وإما الصفة الشرقية التي ميزت كل هذه الأعمال فكانت تتحقق عن طريق ثراء الألوان وذلك يتضح في اللوحة"موقعة حربية"(1910-لندن-التيت جاليري- أو في لوحة"تكوين"(تصوير جداري-1914- بازل- مجموعة عامة . وأما المرحلة المتوسطة فكانت عبارة عن تصميمات هندسية محمكة الاتزان , استخدمت فيها الخطوط المستقيمة . والأقواس وكانت قد ظهرت أولى خطواته في الاتجاه التجريدي عندما عرض لوحته بعنوان"تجريد"عام 1910, أو اللوحة"علاقة سوداء"(متحف الفن الحديث-نيويورك-1924) , صوره واضحة تمثل الاتجاه التجريدي "الخالص" . إن التأكيد الواضح على تبديه الشكل له أصل في فلسفة"كانط"والذي من مفاهيمه الأساسية , أن الأهلية الجمالية هي للشكل فقط . وفي الفن يقوم الشكل بمفرده بخدمة الغرض , حيث يستدعى أحاسيس المتعة الذاتية . وقول كاندنسكى بأنه يجب أن يصبح الفن مجردا عن أصله ويرتبط بمعنى محدد معروف، ويقصد منه أن للألوان والأشكال معاني مستقلة عن معانيها الأصلية في الطبيعة , وهي تكتسي معانيها الجديدة بصياغة الفنان لها لتؤدي دلالة يريدها , ومعاني معينة يهدف إليها , لقد صاغ كاندنسكى ألوانه لتحمل أفكار ونظم الأشكال في لوحاته لتعكس رموزا , رغم رفضه لاستخدام الألوان ذات الدلالة . لقد وصف الناقد ماريون ميلنر نوعية فن كاندنسكى بقوله"عندما شاهدت فن كاندنسكى شعرت بأنني تائه في عالم من المسوخ والتحريفات الساحرة ".
جاكسون بولوك Jackson Pollock
وتعد "التعبيرية التجريدية" من التيارات الفنية اللاموضوعية , بما تتميز به من قوه انفعال وحركة تلقائية . وقد يعرف هذا المذهب أحيانا "التجريد الغنائي"أو بـ"الآلية"automatism نسبة لتخليه عن مبدأ المراقبة العقلانية , وأحيانا أخرى يعرف بـ "البقعية" إشارة إلى التقنية التي تظهر الألوان على سطح اللوحة على شكل بقع , وقد أطلق على هذا الأسلوب في أمريكا "التصوير الفعلاني"action Painting , غير أن الذي يجمع بين هذه التسميات هو كونها تصف نوعا من الفن "اللاشكلى"informalفهو فن يرتبط بطرقة في استخدام اللون الذي يعبر عن انفعالات مباشرة , لا ترتبط بأي تشابه شكلي , وقد تخلى الفنان عن المضامين والدراسات الأولية , وهنا يقول جاكسون بولوك "عندما أكون منهمكا في عملي التصويري لا أعي ما افعله , لكن فقط بعد فتره أرى ما أتحدث عنه, وأنني لا أفشل إلا عندما أفقد صلتي باللوحة. " ومن هنا يصبح عالم اللوحة عالما خاصا ينطلق من الصلة المباشرة بالمادة وتحويلها إلى نتاج فني , فتصبح التقنية والتجريب على المادة مقياسا لقيم العمل الفني ولتمام الصورة , بل أبرز ما تمثله اللوحة , وهكذا أثار بعض الفن اللاصورى الانتباه إلى طريقة التصوير"البقعى"في بعض أعمال مونيه وجوجان , وفي الخط العربي , وفنون الشرق الأقصى ذات الطابع الخطي .ويعتبر جاكسون بولوك(1912-1956)رائد الفن الحركي في أمريكا , ويدين تعبيره عن الشعور بالحرية لطرقة السرياليين التي تعرف بـ "الآلية" , وإلى الاعتماد على الصدفة والحدث العرضي , من أجل التعبير عن إحساسات تصويرية ملموسة . وبينما كان اللاوعي مصدرا للفن في السريالية , كان يهدف إلى التوصل إلى استعارات رمزيه على شكل صور يمكن التعرف عليها , إلا انه لا منطقيه في تأليفها وفي مناخها اللا واقعي , نجد هدفه عند بولوك هو التوصل إلى إشارات تشكيلية بمثابة كتابة آلية مصدرها اللاوعي , وليس إلا إحساسات تصويرية ملموسة تحررت من الذاكرة البصرية عن العالم الخارجي . ولجاكسون بولوك طريقة تميزه في صنع لوحاته , فهو يعمد إلى قذف الألوان على اللوحة (ذات المسطحات الكبيرة في العادة) الممدة على سطح الأرض باستخدام الألوان السائلة وهي تنفذ من علبة مثقبة من قاعدتها , مارا فوق اللوحة في جميع الاتجاهات , وبطريقه شبه آلية ومرتبطة بالحركات الفيزيائية لليد , فتنتج الخطوط المتشابكة , الدائرية أو البيضاوية بكثافات وتناغمات متنوعة , وكأنها من عمل الصدفة .لقد طور بولوك الصيغ الفنية من أجل التوصل إلي الإحساس بمعنى العمق الصوري , وقد حقق نتائج مدهشة باستخدامه المباشر للبقع اللونية المرشوشة رشا . وفي هذه النوعية من الفن لا يمكن السيطرة على العمل بشكل كلي , بل أن الرسوم تنتج بطريقه آلية لتلاشي فعل السيطرة المباشر على الأشكال.
الفريد فولس Alfred Wols
تميز فن فولس(1913-1951)بالشاعرية وبالإيحاء بعوالم حلمية مصبوغة بالغرابة , صيغت من خطوط معقده وفي أعماله المنفذة بالألوان المائية , "تجتمع هذه الخطوط حول محور خيالي أو تنطلق منه بحيث ترى فيها العين مشاهد لعوالم وأشكال مختلفة تستمد دلالتها مما تشير إليه من مظاهر كونية دون أن تمثلها فعلا . فهي تشبه في تركيبها وتمحور خطوطها بنية المعادن والألياف والأنسجة العضوية والموجات الصوتية وتواترها , هذه العوالم أشبه بتلك التي تكتشفها تحت المجهر , كأنما فولس يريد أن يعبر , بحركة اليد والأصابع , عن كل شيء وأن يضع العالم كله في هذه الورقة الصغيرة..
تميز فن فولس(1913-1951)بالشاعرية وبالإيحاء بعوالم حلمية مصبوغة بالغرابة , صيغت من خطوط معقده وفي أعماله المنفذة بالألوان المائية , "تجتمع هذه الخطوط حول محور خيالي أو تنطلق منه بحيث ترى فيها العين مشاهد لعوالم وأشكال مختلفة تستمد دلالتها مما تشير إليه من مظاهر كونية دون أن تمثلها فعلا . فهي تشبه في تركيبها وتمحور خطوطها بنية المعادن والألياف والأنسجة العضوية والموجات الصوتية وتواترها , هذه العوالم أشبه بتلك التي تكتشفها تحت المجهر , كأنما فولس يريد أن يعبر , بحركة اليد والأصابع , عن كل شيء وأن يضع العالم كله في هذه الورقة الصغيرة..
تعليقات