يقول الفنان ديريك بيسمانس في كتابه “New Media Art”: “نحن نستكشف الكمبيوتر من الداخل بينما نتعامل بالإنترنت،
وحينما ينظر المشاهد إلى أعمالنا الفنية والتي بالتالي تكون داخل كبيوتره، نحن
نفخر بأن نكون على شاشة كبيوتر شخص ما، فنكون بذلك قريبين جداً من المشاهد حين
نكون على سطح مكتبه، أنا أؤمن بأن الكبيوتر هو وسيلة الفنان للدخول إلى دماغ شخص
ما. .
.” .
فن الميديا أو الوسائط الجديدة، والتي عرفت بمسميات أخرى لفئات فنية جديدة ك “فن الديجتال” و”فن الكمبيوتر” أو “فن الملتيميديا”، هي في غالبيتها نتاج تبادل عناصر ومتغيرات جديدة، والتي هي في الغالب تشرح مشاريع استخدمت التكنولوجيا الحديثة في خلق عناصر جديدة، تحمل مضامين ثقافية، سياسية، بيئية، وما يمكن أن تطرحه من احتمالات مقترحة بصفتها وسيطاً فنياً .
فن الميديا أو الوسائط الجديدة، والتي عرفت بمسميات أخرى لفئات فنية جديدة ك “فن الديجتال” و”فن الكمبيوتر” أو “فن الملتيميديا”، هي في غالبيتها نتاج تبادل عناصر ومتغيرات جديدة، والتي هي في الغالب تشرح مشاريع استخدمت التكنولوجيا الحديثة في خلق عناصر جديدة، تحمل مضامين ثقافية، سياسية، بيئية، وما يمكن أن تطرحه من احتمالات مقترحة بصفتها وسيطاً فنياً .
يقسم فن الميديا الجديدة إلى فئتين: فن التكنولوجيا وفن الميديا، وفن التكنولوجيا يشمل كل الممارسات التي استخدمت الإلكترونيات كفن، مثال ذلك استعمال جهاز الروبورت الآلي في الفن، واستخدام الجينات كفن، فهذه الفئة تقحم التكنولوجيا بشكل واضح بغض النظر عن دورها كوسيلة أو عنصر في العمل الفني، في حين أن فن الميديا الجديدة أو فن الوسائط الحديثة، تشتمل فن الفيديو، والأفلام التجريبية، وأشكال الفن المختلفة التي تتعاون مع التكنولوجيا الحديثة بصفتها وسيطاً، والتي لم تعد جديدة منذ التسعينات .
فنون الميديا الجديدة، صارت حلقة الوصل بين مجالي الفن والتكنولوجيا، حيث أصبحت الإنترنت متمركزة في مشاريع عالم الفن الحديث، وغيرها من التكنولوجيا التي لعبت دوراً مهماً في الفن الحديث بالإضافة إلى فن الفيديو، وألعاب الكمبيوتر، والهاتف اللاسيلكي، والكمبيوتر اليدوي، وغيرها من الأنظمة التكنولوجية العالمية، والتي عملت كإدارة معلوماتية بصرية، ونزيد على ذلك أنها أداة استكشافية إبداعية للاحتمالات التكنولوجية في تاريخ الفن، والتي أظهرت بعض الأعمال شبه الدادائية التي اعتبرت تطوراً للدادائية استخدمت مواد وخامات تكنولوجية مكونة من صور ممنتجة أو صور كولاجية، أو قد تقحم المواد أو الادوات المصنعة يدوياً، والتي تحمل رد فعل سياسياً، كما في أعمال الأداء الحركي performance art .
الفن المفاهيمي هو أيضاً علامة من العلامات المهمة في فن الميديا أو الوسائط الحديثة، والذي يرتكز أكثر على المفهوم أكثر من التكوين، لذلك كانت الميديا الحديثة هي غالباً فناً مفاهيمياً بالطبيعة، كما كانت الميديا أو الخامة الحديثة تلعب دوراً كبيراً وقوياً في فن الفيديو أيضاً . والتي ظهرت بشكل جذري وملبية لحاجتنا إلى الصورة المتحركة، والتي بدأت مع ظهور كاميرا الفيديو في أواخر الستينات، إلا أنها استخدمت بواسطة القليل من الفنانين الرواد، في حين أنها كانت محط اهتمام الكثير من الفنانين الذين حرموا من الكاميرا آنذاك، وبالمقارنة بين الفيديو والإنترنت آنذاك، فأهمية الإنترنت وعمليات البحوث وإمكانية التنقل من مكان إلى آخر، قادت حركة الميديا الجديدة، حيث وجد الفنانون أن الإنترنت يشبه تماماً الفيديو من حيث المصادر، والتي اعتبرت أداة فنية مكّنت الفنانين من استكشاف التغيير في العلاقات بين التكنولوجيا وثقافة المجتمع .
ونظراً لقرب تلك الفنون من الإنترنت، ألا أن فنون الميديا الجديدة اعتبرت في حد ذاتها حركة فنية واسعة على نطاق العالم، حيث إن الإنترنت تحكم في أشكال الأمم من دون النظر إلى جغرافية الطبيعة العالمية لفن الميديا الجديدة، كونها حركة عكست التزايد الطبيعي العالمي للفن في العالم، والذي ظهر واضحاً في التسعينات في المعارض والبيناليات العالمية كما في بينالي جوهانسمبرج وأيضاً بينالي “كوانجو” . هذه الطفرة كانت جزءاً من نقلة أكبر تاريخياً: وهي الثقافة العالمية والاقتصادية التي كانت سبباً في التأثير الحاصل في استعمال الإنترنت، “اللاسلكي، التليفون”، وغيرها من الأجهزة المعلوماتية أو وسائل التكنولجية الحديثة . من أمثلة فن الوسائط الحديثة التي عكست كل هذه التطورات والتي تركت تأثيرات في المجتمع: فن الفيديو، والذي جنّد كعدسة توثيقية ترصد كل ما له تأثير إيجابي أو سلبي في الفن والفنان، والتي صارت تعرض تماماً كما يفعل جهاز التلفاز، وما له من دور في تعزيز ثقافة الإعلام المركزية .
فظهور الإنترنت بالنسبة لكثير من الفنانين لم يعن فقط ظهور أجهزة كمبيوتر، فهي بالنسبة لهم لم تعد مجرد أدوات لمعالجة الصور أو لتصميم الدعوات لحضور المعارض فقط، بل فجأة أصبحت أجهزة الكمبيوتر بوابة لمجتمع دولي منفتح، يشمل الفنانين النقاد، القيمين، المقتنين، محبي الفن وغيرهم، وعلى الرغم من استخدام بعض الفنانين الإنترنت كوسيلة لنشر وثائق أعمالهم أو صوراً توثيقية لأعمالهم، ووضعها على صفحات الإنترنت، إنما أصبحت قريبة جداً من الآخرين، بحيث صارت وسيلة للتعبير عن ذاتهم، وأصبحت فضاء جديداً يضيف الكثير لأعمالهم الفنية .
ولأن فن الإنترنت توافق مع ظهور شبكة الإنترنت، صاحب ذلك العديد من التحولات الثقافية والاقتصادية، لذلك لعب هذا الفن دوراً نسبياً في دعم حركة فنون وسائل الإعلام الجديدة، إلا أن الإنترنت لم يكن النوع الوحيد، فقد ظهرت هناك أنواع مهمة أخرى، تشمل فن برامج حاسوب، فن الألعاب الإلكترونية، فن الأعمال التركيبية لوسائط فنية جديدة، وفنون الأداء الجسدي، فعلى سبيل المثال هناك الكثير من ألعاب الفن استخدمت التقنية الموجودة في شبكات الإنترنت والتي احتاجت إلى الكثير من الخبرة في الإنترنت .
فنانو الوسائط الجديدة غالباً ما يعملون بشكل جماعي في مجموعات متعاونة، تخصصية أو في مجموعات ذات شراكة طويلة الأجل، كالأفلام، العروض المسرحية، وغيرها من مشاريع فن الميديا الجديدة، وخاصة المعقد منها أو الأكثر حماساً والتي تتطلب مجموعة كبيرة من المهارات التقنية والفنية ليتم إنتاجها، فعلى سبيل المثال تشارك هؤلاء الفنانون مع العديد من المبرمجين في جماعات والتزم الفنان بالمشاركة في بناء أساسيات تلك المشاريع، ومع ذلك كان أغلب هذا التعاون فنياً أكثر منه عملياً، فبالتالي فن الميديا الجديدة بمثابة تحد لفكرة الفنان الرومانسي الحالم وإثبات دوره .
التوسع في المصادر
كان ومازال الفنانون متأثرين ومؤثرين في بعضهم بعضاً، إلا أنه في القرن العشرين ظهرت أشكال مختلفة من الاعتماد، حيث تحولت من الاعتماد الكلي إلى الاعتماد الجزئي الذي يتمثل في أخذ العينات، والتي ظهرت كبديل للعلم الإبداعي، بحيث مكّنت التقنيات الحديثة للاستنساخ الميكانيكي الفنان من البدء في استخدام كل ما يجده من صور وأصوات وغيرها من مؤثرات في أعمالهم الفنية، بما في ذلك صور (هانا هوخ) والتي تشبه إلى حد كبير فن الدادائية، تلك التي اعتمدت على التلاعب بالصور، كذلك مارسيل دوشامب الذي استعمل قطعة جاهزة الصنع في عمله، حين أكسبها سمة العمل الفني، إلى جانب الفنان اندي وارهول في فنه الشعبي، الذي اكتسب مكوناته وعناصره من مجتمعه، وغيرهم ممن عثروا على لقطات أفلام وأدرجوها ضمن أعمالهم الفنية، هذه الأمثلة لخصت فكرة استخدام الميديا الجديدة كمصدر لبناء العمل الفني الحديث .
في غالب الأحيان كانت فنون الميديا الجديدة تلقى انتقاداً لاذعاً، حيث قيل إن هؤلاء الفنانين ليسوا على دراية بتاريخ الفن، إلا أن فناني الميديا الجديدة، أثبتوا من خلال أعمالهم بأنهم على اطلاع وإدراك عميق بالتاريخ، الأمر الذي ظهر بوضوح في أعمالهم، في إعادة تفسير واستكمال مشاريع فنية تاريخية، وإدراجها ضمن سياق بيئة تكنولوجية جديدة، فعلى سبيل المثال استخدم الفنان (أون كوارا) في عمله عام 2001 Update، تقنيات وبرمجات الكمبيوتر كوسيط في عمله الفني، الذي يوثق أحداثاً تاريخية، وهذه هي طريقة الفنان المفاهيمي للتعبير بلوحات تحمل تواريخ وأرقاماً بسيطة .
القرصنة والتجسس
كما نعلم من خلال ما قرأنا في صحفنا المحلية والعالمية، وكذلك بما شاهدناه في أفلام هوليوود، وكما عرفنا من غيرها من وسائل الإعلام العامة والشعبية، بأن قراصنة الكمبيوتر وجدوا من أجل اختراق أجهزة الآخرين لسرقة المعلومات أو ببساطة للعبث والفساد، ولكن هذا المفهوم غير صحيح نسبياً، فوفقاً لتعريف عالم الكمبيوتر (براين هارفي) للقرصان: “على أنه شخص يعيش ويتنفس من خلال جهاز الكمبيوتر، فهو على دراية كاملة بكل شيء حول هذا الجهاز، فبالتالي يستطيع أن يجعل هذا الجهاز يقوم بأي شيء، ويساوية في الأهمية تصرف هذا القرصان” . لذلك يجب أن تكون برمجة الكمبيوتر هواية في المقام الأول، شيء يجلب المتعة، ولا يندرج ضمن مفهوم القيام بواجب ما من أجل كسب المال . يرى هارفي: أن القرصان هو أقرب ما يكون للفنان من كونه مجرماً، وعلى الرغم من ذلك فبعض القراصنة استخدموا تلك المهارات بشكل ضار بالمجتمع، ففي مجتمع القراصنة هناك قانون واسع وشامل النطاق للعرف والأخلاق، يسمى “القرصنة أخلاق” . والذي ينص على أن تبادل المعلومات هو في الغالب للتعاون الصالح، حيث يجب على القرصان أن يسهم في النهوض بتطور البرمجيات المفتوحة المصدر ولتمكين من الحصول على المعارف والموارد الخاصة بالكمبيوتر .
أصدر كتابه في عام ،2004 حيث أوضح فيه أن مفهوم القرصنة امتد إلى مجالات أخرى، بما في ذلك مجال الفن، والذي يملؤه الابتكار، حين قال لغة البرمجة الشعرية “الرياضيات أو الموسيقا واللوحات الملونة”، كلها تندرج ضمن هذا النوع من الخلق، وإمكانية إدخال أشياء وعوالم جديدة في الفن، كالعلوم، والفلسفة أو حتى الثقافة العامة، فهي تشبة انتاج المعرفة، حين نقوم بجمع البيانات، بحيث يمكننا استخدامها كمعلومات، في خلق احتمالات جديدة تمكننا من إنتاج معلومات جديدة، فالكثير من فناني الوسائط الجديدة اعتبروا أنفسهم قراصنة في استخدام مفهوم القرصنة، الذي ينص على تحويل كل قديم إلى جديد، والذي شمل بعضاً من الأعمال التي بنيت على بحوث سابقة أو مشاريع طفولية، كالتي أدرجت القرص المرن في عناصر الفن، وأيضاً التي استعارت ألعاباً أو عناصر من لعب الأطفال مثلاً كلعبة جيم بويGameboy أو لعبة سحابة ماريو .
وهناك فئة أخيرة ظهرت في تجسيد نهج ناشط من الفنانين القراصنة، كان هذا مزيجاً من القرصنة والنشاط السلبي، الذي حوّل القرصنة إلى مركز للإنتاج الثقافي، ففي مشروع المنظرة والفنانة Cornelia solfrank والتي أكسبت نفسها لقب القرصانة، ذلك حين قامت بمشروعها بعنوان Female Extensionحيث أوضحت من خلاله رؤيتها حول القرصنة باعتبارها إنتاجاً ثقافياً ومنتجاً اجتماعياً، حيث عملت مع مجموعة من القراصنة لإنتاج برمجة حاسوبية مطورة، وقامت بأخذ عينات من أعمال فنية على الإنترنت، ومن ثم قامت بتعديل عناصرها من خلال مواقع موجودة ومعروفة، وذلك بهدف القيام بخطة تكشف التحيز ضد المرأة في الفن، والتي كانت تعتقد أنها عمت الممارسات المعاصرة حين تنظم المعارض آنذاك، حيث قالت إنها تقدمت بأكثر من 200 عمل فني كنسخ مستعارة لهذه الأعمال وأكسبتها أسماء غير صحيحة كلها لنساء، لضمان أن يكون أغلب المشاركين في المسابقات من النساء، كشفت بعد ذلك خطتها، حين أعلنت لجنة التحكيم عن أسماء الفائزين الثلاثة والذين كانوا بالطبع جميعهم من الرجال.
تعليقات