جدار التفرقة العنصرية


أبو مسمار يكسر حاجز الصمت ويخترق جدار التفرقة العنصرية


الفنان (إبراهيم أبومسمار) بجوار (الجدار العازل) في مهرجان (أرتيسيم)، إيطاليا


    استطاع الفنان السعودي (إبراهيم أبو مسمار) أن يعبّر بجرأة عن قضية جدار التفرقة العنصرية الذي بدأت إسرائيل تشييده منذ العام 2002م لتعزل به مناطق وقرى الضفة الغربية في فلسطين عن الحياة. حيث عرض الفنان في خطوة جريئة من نوعها وبمباركة ورعاية جاليري (أثر) عمله (الجدار العازل) في مهرجان (أرتيسيما) العالمي للفنون بمدينة تورينو الإيطالية. ليكسر بذلك جدار الصمت ويصدم توقعات الجمهور بالتعبير عن هذه القضية في مكان لم يكن متوقع فيه إثارة الجدل حولها. ويحمل (الجدار العازل) بصمة أبومسمار العبقرية التي يضعها في معظم أعماله والمتمثلة في استعارة غرض صغير مرتبط بحياتنا اليومية مع وضع لمسة بسيطة تقلب موازين الشكل ليصبح بعدها عمله أقوى سلاح للتعبير عن قضاياه الكبرى.
فعمل (الجدار العازل) ما هو إلا 67 شفرة لمشارط الورق مثبتة على قاعدة من الرخام الصناعي على امتداد لا يزيد عن 150 مترا. جاءت تفاصيل شكل الشفرة الأساسية شبيهة جداً بأجزاء الجدار الحقيقي، لكن حدّة نصل الشفرة اللاذعة وبرودتها تبعث على الفور شعوراً بالقشعريرة حين نتذكر كيف يمكنها اختراق السطح حتى الأعماق بسرعة وبلمح البصر دون أن يوقفها شيء تماماً كما يفعل الجدار في فلسطين اليوم. لهذا استعار الفنان العدد 67 ليرمز به إلى 67 قرية فلسطينية يلتف حولها ويخنقها الجدار كثعبان ضخم. فهي أشبه ما تكون بسجن كبير يحول بين أهاليها وبين مزارعهم وأملاكهم التي كانوا يعتمدون عليها في قوتهم اليومي بارتفاعه الذي يصل أحياناً إلى 8 أمتار. ورؤية الرقم 67 في هذا المقام تجعلنا لا نملك إلا أن نتذكر حلم استعادة حدود 67م الذي أصبح تحقيقه بوجود الجدار اليوم أقرب إلى المستحيل.
ونظراً لوعي الفنان بغياب هذه القضية عن أذهان الكثيرين من الجمهور الأوروبي فإنه أراد تحميل العمل رمزا جديدا يجعلهم يدركون بشكل لا يقبل الشكّ أن المقصود هو الجدار العازل في فلسطين. لذا قام بتزيين الشفرات برسم لفتاة متعلقة ببالونات في محاولة طفولية حالمة لتحقيق المستحيل واجتياز السور. وهو بالأساس رسم موجود بالفعل على جدار التفرقة العنصرية في غزة قام بعمله الرسام الإنجليزي الشهير (بانكسي) في محاولة منه للاعتراض على هذا الحصار الجائر. ولا تقتصر أهمية هذه الاستعارة الذكية على جذب وإثارة الجمهور، بل تتجاوزه لتصبح رسالة تذكير بأن التغيير جهد جماعي ومسئولية مشتركة لا يُسْقِط واجبه أداء الغير له. فجرأة أبو مسمار في التعبير عن القضية لا تقل عن جرأة بانكسي، ففي حين نجح الأخير بالدخول إلى غزة والاعتراض بالرسم على الجدار بفضل جوازه البريطاني، نجح أبو مسمار بنقل الجدار بأكمله إلى وسط أوروبا وقذف به في أوجه الجميع تاركاً لهم حرية الرد.
وبشكل عام فإن اعتماد أبو مسمار على الأحجام الصغيرة في أعماله أمر يستحق الإشادة ذلك أنه يعكس ثقته بقدرته على إيصال الفكرة دون الحاجة إلى المبالغة في كبر الحجم. فالفكرة القوية لا تكبحها حدود المادة، في حين تسيء الأعمال الكبيرة إلى مستوى أصحابها حيث تبدو كصراخ المستميت لجذب انتباه الجمهور.
وأخيراً ينبغي القول بأن جدار الصمت لم يكن الجدار الوحيد الذي اخترقه أبو مسمار بهذا العمل، فقد استطاع أيضاً أن يخترق جدار العالمية حيث اقتنى متحف قلعة (دي ريفولي) الإيطالي للفنون المعاصرة العمل بعد منافسة حادة مع عدد من جامعي التحف الفنية، ليصبح ضمن المجموعة الدائمة بالمتحف. الجميل في الأمر أن الهدف الرئيس لهذا المتحف هو تشجيع حركة البحث في القضايا المعاصرة لخلق الفهم والتقارب الثقافي بين الإيطاليين وغيرهم من حول العالم. وهذا الأمر هو تحديدا ما نتطلع لتحقيقه من خلال عمل (الجدار العازل).


صورة مقرّبة لعمل (الجدار العازل)، للفنان (إبراهيم أبومسمار)، شفرات مشارط على قاعدة من الرخام، 2012م. (جاليري أثر)

جدار التفرقة العنصرية ويظهر عليه رسم الفنان (بانكسي)، غزة.


تعليقات